يُعتبر مسجد السهلة من أبرز وأقدس المساجد في العراق، حيث يتمتع بمكانة عالية في التراث الإسلامي، خصوصاً لدى الشيعة الإمامية. يعود تاريخ بناء المسجد إلى القرن الهجري الأول، ويقال إنه قد شُيّد في فترة الخلافة الإسلامية الأولى، ويعد واحداً من أبرز المواقع التاريخية والدينية في مدينة الكوفة. على الرغم من أنه يفتقر إلى تفاصيل دقيقة حول تاريخ تأسيسه، إلا أن أهميته الروحية والتاريخية جعلته محط اهتمام واسع عبر العصور.
أهمية مسجد السهلة في تاريخ الأنبياء وعقيدة أهل البيت
تُعتبر مكانة مسجد السهلة في تاريخ الأديان والثقافة الإسلامية ذات بعد خاص؛ فهو يرتبط بتاريخ الأنبياء عليهم السلام، حيث يُقال إنه كان مركزاً لعبادتهم وموضعاً لسكناهم. وفي روايات أهل البيت عليهم السلام، يُذكر أن هذا المسجد كان له دور كبير في حياة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأئمة أهل البيت. كما أن مسجد السهلة يعد من الأماكن التي سيتواجد فيها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويُقال إنه سيكون مسكناً له ولأهل بيته بعد الظهور.
وقد جاء في الروايات أنه بعد المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، يُعد مسجد السهلة من المساجد الأربعة ذات المنزلة الكبيرة لدى الشيعة، حيث يُذكر في الأحاديث أن له فضلاً خاصاً، خاصة في ما يتعلق بالانتظار والتواصل الروحي.
أسماء المسجد وتاريخه المعماري
تعددت الأسماء التي أُطلقَت على مسجد السهلة عبر العصور، ويُعتقد أن هذه الأسماء تعكس مراحل تجديده واستخدامه في فترات زمنية مختلفة، حيث كان يُسمى أحياناً نسبةً إلى القوم الذين قاموا بتجديده أو المحيطين به في تلك الحقبة.
وتتعدد الروايات حول مرحلة تأسيس المسجد، حيث يُرجح أن المسجد قد أُقيم قبل فترة خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وتحديداً في الفترة ما بين عامي 35 و40 هـ. ومن المحتمل أن تكون مرحلة من مراحل تجديد بناء المسجد قد ارتبطت بعشيرة بني ظفر، التي كانت من الأنصار الذين سكنوا في الكوفة، إذ يشير بعض المؤرخين إلى أن الإمام علي عليه السلام قد ذكر هذا المسجد في حديثه، مسمياً إياه بـ “مسجد بني ظفر”.
موقع المسجد
يُقع مسجد السهلة في الجهة الشمالية الغربية من مسجد الكوفة، على بُعد نحو كيلومترين، بالقرب من مقبرة السهلة القديمة. هذا الموقع يُعتبر مميزاً لكونه يقع في منطقة تُعد من أقدم وأقدس الأماكن في الكوفة، مما يعزز من قيمة المسجد التاريخية والدينية.
الوصف المعماري للمسجد
تتميز عمارة مسجد السهلة بالتصميم البسيط والمهيب في آن واحد، حيث يتخذ المسجد شكلاً مستطيلاً مع أربعة جدران رئيسية. يقدّر طول الجدار الشمالي بـ160 مترًا، والجدار الجنوبي بنفس الطول، بينما يبلغ طول الجدار الشرقي 130 مترًا، وكذلك الجدار الغربي.
سور المسجد مرتفع للغاية، ويصل ارتفاعه إلى أكثر من 22 مترًا، مزود بأبراج نصف دائرية من الخارج، ما يعطيه طابعاً دفاعياً ورمزياً في ذات الوقت. كما توجد مئذنة في منتصف الضلع الشرقي للمسجد، وهي مئذنة فخمة يبلغ ارتفاعها 13 مترًا، تحيط بها زخارف دقيقة وكتابات قرآنية رائعة من أعلى، مما يعكس فنون العمارة الإسلامية في تلك الحقبة.
أثر المسجد في الزمان والمكان
إن مسجد السهلة لا يُعد فقط معلمًا معماريًا ودينيًا، بل يمثل أيضًا جزءًا حيويًا من ذاكرة الأمة الإسلامية. فإلى جانب أهميته في العقيدة الإسلامية، يعتبر المسجد مركزاً للعلم والتقوى، وملاذاً للزوار والمؤمنين الذين يأتون إليه من شتى بقاع الأرض.
يبقى مسجد السهلة، رغم التحديات الزمنية والظروف المتغيرة التي مر بها، رمزاً من رموز الكوفة الدينية والتاريخية، مكانًا للتفكر والتعبد، ومرجعية للمسلمين في مختلف أوقاتهم.