عزيزي الزائر،
وأنت تتجه شمال العاصمة بغداد، لابد أنك ستجد نفسك مأخوذًا بجمال مدينة الكاظمية، التي تجمع بين التاريخ العميق والأجواء الروحية الخاشعة. مشهد المدينة المهيب يبعث في النفس الخشوع، بينما أسواقها الشعبية تتضوع بروائح الفولكلور العراقي الأصيل. بيوتها التراثية المميزة، التي تتزين بشناشيلها، تأخذك في رحلة عبر الزمن لتكتشف جزءًا من تاريخها العريق. ولا شك أنك ستجد من المفيد أن تطل من نافذة هذه المدينة على جزء من تاريخها العميق، وتاريخ المشهد الكاظمي الذي يظل واحدًا من أبرز معالم بغداد.
الكاظمية عبر التاريخ:
الكاظمية مدينة تعود جذورها إلى أعماق التاريخ البعيد. كانت تُعرف قبل تأسيس مدينة بغداد باسم “الشونيزى”، وهي تسمية عربية تعني “الحبة السوداء”. وعندما شرع الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في تأسيس مدينة بغداد المدورة في عام 145 هـ (762م)، اختار المنطقة المجاورة لنهر دجلة لتكون مقابر تستوعب رفات أسرته وأقاربه. ومن بين المدفونين في تلك المقابر جعفر بن المنصور، الخليفة الأمين، والسيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد.
إلا أن المدينة لم تصبح معروفة باسم الكاظمية إلا بعد دفن الإمام موسى بن جعفر (ع)، المعروف بلقب “الكاظم” بسبب حلمه وعفوه عن الإساءة وكظمه للغيظ. ثم تبعه حفيده الإمام محمد الجواد (ع)، ليدفن في نفس المنطقة. مع مرور الوقت، أصبحت هذه المقابر محورًا مقدسًا، وسميت المنطقة الكاظمية تيمناً بهما، حيث أطلق عليهما لقب “الكاظمين” أو “الجوادين”، لما لهما من سمعة عظيمة في الجود والكرم.
روضة الكاظمية:
عند دخولك إلى الروضة الكاظمية، لا بد أن تشعر بجلال المكان وبهائه. فور أن يقع بصرك على الطارات والأواوين، وعلى الأكشاك والأروقة المزينة بـ زخارف القاشاني المحفورة بنقوش نباتية وهندسية، تُضاف إليها آيات قرآنية، ستشعر وكأنك في رحلة عبر الزمن. تتخلل هذه الزخارف الجميلة المرايا والمعادن الثمينة كالذهب والفضة، ما يعطي المكان رونقًا خاصًا.
وكان الخليفة العباسي المعتصم بالله هو من أمر ببناء الروضة الكاظمية في البداية، التي كانت تتألف من القبرين والأروقة، ثم أعيد بناء المكان في عام 921 هـ – 1515م، لتضاف إليها الطارات والأواوين وغيرها من المعالم البديعة. ويمتاز البناء بوجود قبتين ذهبيتين تعلوان القبرين، تحيط بهما أربع مآذن كبيرة ومئذنتان صغيرتان.
ساعتا المشهد الكاظمي:
من المعالم البارزة في الروضة الكاظمية، تبرز ساعتا المشهد الكاظمي الشهيرة. واحدة منها تطل على الباب القبلي، بينما الأخرى على باب المراد في الجهة الشرقية. تم نصب الساعتين في أواخر القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1301 هـ – 1883م، على طراز العمارة العربية الإسلامية. وتم تشييد برجين لكل ساعة، ليصبحا جزءًا من جمال المكان وأهميته التاريخية والجمالية.
اليوم:
اليوم، أصبحت الروضة الكاظمية واحدة من أبرز معالم فن العمارة الإسلامية في بغداد، حيث تتجلى فيها الروعة والبهاء في كل تفاصيلها. يزورها آلاف الزوار يوميًا من مختلف أنحاء العراق والعالم الإسلامي، ليشهدوا على عظمة هذا المكان المقدس ويستشعروا روحانية هذا المعلم التاريخي.