القشلة هو مصطلح تركي مأخوذ من كلمة “قشلان” التي تعني “المشتّى”، وكان يُستخدم للإشارة إلى ثكنات الجنود أو الأماكن التي يتم فيها تجميعهم خلال فصل الشتاء، حين لا يكونون في الحروب أو المعارك. وتعد القشلة أحد أبرز المعالم التاريخية في بغداد، إذ تمثل جزءًا من التراث المعماري العسكري العثماني في المدينة.
الموقع والتاريخ:
تقع القشلة في جانب الرصافة من بغداد، في محلة السراي، مقابل جامع السراي، وتمتد على الضفة الشرقية لنهر دجلة. شُيدت في عام 1861م في عهد الوالي العثماني نامق باشا، وكان الهدف منها توفير مكان مناسب لتجمع الجنود العثمانيين خلال فترات الشتاء. ورغم بدء البناء في هذا العام، إلا أن البناء لم يُكتمل في عهد نامق باشا، ليكمل العمل من بعده الوالي مدحت باشا في عام 1869م.
البناء والإضافات:
كانت القشلة في البداية تتألف من طابق واحد، لكن مدحت باشا أضاف لها طابقًا ثانيًا وغرفًا إضافية، مما جعلها تتسع أكثر لاستقبال الجنود. كما تم استخدام أنقاض سور بغداد العباسي في بناء القشلة، مما يضيف بُعدًا تاريخيًا ومعماريًا مميزًا لها. وفي وسط الساحة الداخلية للقشلة، تم تشييد برج الساعة الذي كان يُستخدم لإيقاظ الجنود في الصباح، وهو برج مجوّف بارتفاع 23 مترًا. في قمة البرج توجد ساعة ذات أربعة وجوه، قدّمها ملك بريطانيا جورج الخامس، في عام 1869م، وهو حدث كبير في بغداد في ذلك الوقت. الجدير بالذكر أن نصب هذه الساعة جاء بعد عشرة أعوام من نصب ساعة بك بن الشهيرة التي تعلو مجلس العموم البريطاني في لندن.
الأحداث التاريخية:
مرت القشلة بعدد من الأحداث التاريخية الهامة، من أبرزها:
- عام 1917م: بعد انتصار القوات البريطانية على الجيش العثماني في معركة بغداد، رفع العلم البريطاني فوق برج الساعة في القشلة، ما يمثل حدثًا فارقًا في تاريخ بغداد.
- عام 1921م: تم تتويج الملك فيصل الأول ملكًا للعراق في ساحة القشلة، حيث كانت الساحة موقعًا هامًا للفعاليات الرسمية في تلك الفترة.
الاستخدامات الحديثة:
في السنوات الأخيرة، تم استغلال مباني القشلة من قبل وزارتي المالية و العدلية. ونظرًا لأهمية هذا المبنى التاريخية والمعمارية، قامت دائرة الآثار العراقية بالعمل على صيانة المبنى بشكل دوري، ليتم استخدامه كمتحف لعرض التحف التراثية والنفيسة، مما يساهم في الحفاظ على هذا المعلم التاريخي ويجعل منه وجهة سياحية وثقافية هامة.
تعتبر القشلة اليوم شاهدًا على حقبة عمرانية وعسكرية هامة في تاريخ بغداد العثمانية، إذ تمثل أحد الأمثلة البارزة على الهندسة المعمارية العسكرية في تلك الفترة، كما أنها تحمل في طياتها ذكريات تاريخية لأحداث محورية شهدتها المدينة، من الحروب إلى التتويجات الملكية.